ift

د مريم بدير تكتب: كنت فاكرها إنفلونزا… طلعت بروسيلا!

معهد صحة الحيوان – مركز البحوث الزراعية- مصر

في قلب الريف والمزارع، حيث تُربّى المواشي وتُنتج الألبان واللحوم التي تغذي الملايين، يكمن خطر صامت لا يُرى بالعين المجردة، لكنه قادر على التسبب في خسائر فادحة.

عم حسن مربي مواشي من سنين، بقرة عنده أجهضت … قال: “عادي، بتحصل..”  زوجته غسلت المكان بإيديها… ابنه شرب لبن بلدي من غير غلي…

بعدها بأسبوعين:

عم حسن عنده حرارة مبتنزلش … زوجته بتشتكي من تعب وعظامها بتوجعها …. والولد نايم على السرير مش قادر يتحرك ومن ضمن كلام عم حسن “كنت فاكرها إنفلونزا طلعت بروسيلا .. وابني كان بيشرب حليب طازج من البقرة…كنا بنفتخر إن عندنا أكل بلدي نضيف… لكن مكناش نعرف إن الحليب ده شايل لنا مرض ممكن يغيّر حياتنا”

أحمد، مربّي ماشية في قرية صغيرة قال … من شهرين، بدأت البقرة تحسّ بتعب… بعدين أجهضت.

فقلت “قدر الله وما شاء فعل”..  لكن بعدها، اللبن قل، والعجل اللي بعده تعب، وأنا كمان بدأت أحس بتعب غريب..

حرارة بتيجي وتروح… عرَق كتير بالليل… آلام في جسمي… رُحت للدكتور، قالّي: “احتمال تكون بروسيلا”

 

وهناك أمثلة اخري تتكرر حولنا كمثالي عم حسن واحمد:

مربية مواشي: مسكت الجنين بعد الإجهاض، وبعدها بدأت تحس بآلام مزمنة

شاب ريّف: شرب لبن بلدي من غير غلي… دخل في دوامة علاج شهور

حاجة أم حسنين بتعمل جبنة في البيت من لبن مباشر من المزرعة بعدها بشهرين… بدأ عندها تعب في العضم وحرارة تيجي وتروح

شاب شغّال في مزرعة، بينضف بعد كل ولادة بإيده، ومن غير قفازات، تعب، راح المستشفى

مزارع ناجح خسر نصف إنتاجه من اللبن بسبب إجهاض متكرر في القطيع وبدأ يبيع حيواناته بخسارة…

كل ده بسبب البروسيلا!

خلونا كمان نعرض حوار بسيط لكن وراه كارثة كبيرة..

– “البقرة أجهضت يا حاج محمود.”

– “سيبها ترتاح شوية، وهنعالجها بالعُرف.”

–  “حضرتك بلغت الطب البيطري؟”

– “لأ، دا بيحصل كتير، عادي يعني.”

بس اللي حصل بعد كده..  مكنش عادي أبداً.. الحيوان تعب أكتر، اللبن قل، وانتقل المرض للعيلة من لبن ما اتغلاش..

إنه مرض البروسيلا، أو ما يُعرف باسم الحمى المالطية.

فما هو البروسيلا؟

البروسيلا هو مرض بكتيري معدٍ يصيب العديد من الحيوانات، خاصة الأبقار، والجاموس، والماعز، والأغنام بالإضافةل بعض الحيوانات الاليفة، ويمكن أن ينتقل إلى الإنسان. تُسبّبه بكتيريا تسمي البروسيلا Brucella، وتنتقل عادةً عبر:

  • التعامل مع الإجهاض في الحيوانات بصورة مباشرة.
  • شرب أو تناول منتجات ألبان غير مبسترة أو مغلية
  • التعامل المباشر مع حيوانات مريضة أو إفرازاتها (مثل أثناء التوليد لمس المشيمة أو الإفرازات)
  • استنشاق الرذاذ الملوث في المزارع أو المجازر

والخسارة مش بس بتكون في المزرعةدي كمان في صحة الانسان..

كيف تؤثر البروسيلا على الحيوانات؟

  • إجهاض متكرر في الإناث الحوامل
  • وفيات في المواليد
  • انخفاض في الخصوبة لدى الذكور والإناث
  • نقص في إنتاج الحليب
  • عقم دائم في بعض الحالات
  • الخسائر الاقتصادية الناتجة عن قلة الإنتاج والحاجة إلى إعدام الحيوانات المصابة

خطر مرض البروسيلا على الإنسان؟

الإصابة بالبروسيلا في الإنسان قد تُسبب أعراضًا تشبه الإنفلونزا، لكنها قد تصبح مزمنة ومُنهكة، وتشمل:

  • حمى متقطعة أو مستمرة
  • ألم في المفاصل والعضلات
  • تعرق شديد (خصوصًا ليلاً)
  • إرهاق مزمن
  • عقم دائم في بعض الحالات
  • في الحالات المتقدمة: التهابات في الكبد، الطحال،القلب أو الجهاز العصبي
  • المزارعون، الأطباء البيطريون، عمال المجازر، وكل من يتعامل مع الحيوانات معرضون للخطر إذا لم يتخذوا الإجراءات الوقائية اللازمة.

بس تقدر تمنع الكارثة من الأول من خلال:

  • اغلي الحليب قبل ما تشربه وده حماية لبيتك
  • طعّم حيواناتك بانتظام ضد البروسيلا..  حماية لرزقك
  • التشخيص المبكر للحالات المصابة وعزلها فورًا
  • البس قفازات وكمامة وقت الولادة أو التنظيف طبعا حماية لنفسك
  • التخلص الآمن من المشيمة والجنين بعد الإجهاض
  • ابعد الأطفال عن الحيوانات المجهولة المصدر
  • بلغ الطبيب البيطري لو ظهرت أعراضحماية لمزرعتك واللي حواليك والتعاون مع الجهات البيطريةالمختصة في حملات التقصي والتحصين

في النهاية كلمة لكل بيت ومزرعة:

البروسيلا مش هزار..  البروسيلا مرض “صامت” لكن نتائجه صاخبة

فهي ليست مجرد مرض يصيب الحيوانات بل هي مرض مشترك معد، له تهديد حقيقي للصحة العامة والأمن الغذائي، وكذلك الاقتصاد، ممكن تضيع قطيعك، وممكن تضيع صحتك وصحة اللي حواليك والوقاية تبدأ من الوعي…

وتبذل الدولة المصرية مجهود كبير جدًا في مواجهة مرض البروسيلا، من خلال:

حملات التحصين القومي:
تنظمها الهيئة العامة للخدمات البيطرية بشكل دوري لتحصين الماشية ضد مرض البروسيلا في كل المحافظات.

الرقابة على الألبان والمجازر:
وزارة الصحة والهيئة العامة للخدمات البيطرية والجهات المعنية بتكثف حملات التفتيش على الأسواق والمصانع والمزارع، لضمان سلامة اللبن ومشتقاته ومنع تداول منتجات غير آمنة.

برامج الاكتشاف المبكر والعزل:
بيتم سحب عينات دورية من الحيوانات في القرى والمزارع، واللي يتم التأكد من إصابتها يتم عزلها والتعامل معها بطريقة علمية للحد من انتشار العدوى.

التوعية والإرشاد:
من خلال الوحدات البيطرية وكذلك المعاهد البحثية والإذاعة الريفية، وحملات التثقيف الصحي، الدولة بتوصل المعلومة للفلاح والمربي في أبسط شكل ممكن، عشان يقدر يحمي نفسه وحيواناته.

اجراءات الأمان الحيوي والتطهير:
نشر التوعية وفرض إجراءات وقائية في المزارع، زي التطهير المنتظم، والعزل للحالات المصابة، ومتابعة أساليب التربية الصحية.

التعاون مع الجهات البحثية:
يتم التعاون بشكل وثيق مع المعاهد البحثية، لتطوير طرق التشخيص، وتحسين فعالية التحصين، ودعم القرارات بالبيانات العلمية.

لكن الدور الأكبر يبدأ منك

الدولة بتوفّر الخدمة، لكن وعي المربي والمواطن هو خط الدفاع الأول..

ولازم تكون عارف إنك مش لازم تكون مربي عشان تصاب كفاية مثلا تشرب لبن من جار لا يعرف البروسيلا.

فالبروسيلا ليست مرض نادر…فقد تكون حولنا، او في اي قرية فيها ماشية. لكن بالوعي، نقدر نوقفه… ونحمي ولادنا، وصحتنا، وثروتنا الحيوانية.

وعلينا أن نعي أن الوقاية منه مسؤوليتنا جميعًا: أصحاب المزارع، الأطباء، الأمهات، الشباب، وكل من يتعامل مع منتجات الألبان أو الحيوانات. فالوقاية تبدأ من الوعي، فلنحافظ على صحتنا وصحة حيواناتنا، ولنكن جميعًا جزءًا من منظومة الحماية.

 

Comments are closed.