د هبة حسن تكتب: السموم الفطرية في قطاع الدواجن «التسمين والبياض والأمهات» التحديات والإستراتيجيات العلاجية والوقائية
أستاذ – معهد صحة الحيوان – مركز البحوث الزراعي- مصر
تشكّل السموم الفطرية (Mycotoxins) تحدياً كبيراً، وهي في الأساس مُنتجات أيض ثانوية تفرزها أنواع محددة من الفطريات مثل (Aspergillus، Fusarium، وPenicillium). تنمو هذه الفطريات على المواد الخام للأعلاف (كالذرة وفول الصويا) واغلبها يكون مستورد فتتعرض لظروف التخزين والنقل السيئة أو البيئات الحارة والرطبة.
يتم تناول هذه السموم الكيميائية مع العلف الملوث، حتى بتركيزات منخفضة، مما يؤدي إلى حالة مرضية تُعرف بـ “التسمم الفطري” (Mycotoxicosis).
ومن الضروري التمييز بين هذه الحالة وبين “المرض بالفطر” (Mycosis)، الذي يمثل عدوى بيولوجية مباشرة. ففي العدوى الفطرية، تحدث الإصابة نتيجة غزو الفطر الحي نفسه وتكاثره داخل أنسجة الطائر (مثل الرئتين في حالة داء Aspergillosis – العدوي بفطر الاسبراجيلس).
ويُعد ضعف المناعة للدواجن عاملاً مساعداً لحدوثه، أما التسمم الفطري فهو حالة تسمم كيميائي غير معدية، تنجم عن امتصاص السموم الجاهزة التي أنتجها الفطر مسبقاً، وتتميز بظهور أعراض سُمّية حادة في الأعضاء الحيوية مثل الكبد والكلى، كما أنها عامل رئيسي في تثبيط الجهاز المناعي للطائر.
ورغم أن التسمم الفطري يمثل تهديداً شاملاً يؤثر على صحة ومناعة القطيع بأكمله، فإن الخسارة الاقتصادية تتجسد بصور مختلفة تماماً حسب فئة الإنتاج، حيث يُلاحظ في دواجن التسمين (Broilers) ارتفاع معامل التحويل الغذائي (FCR)، وفي دواجن البياض (Layers) تراجع حاد في نسبة وضع البيض (Egg Drop) وتدهور جودة القشرة، بينما في دواجن الأمهات (Breeders) يؤثر سلباً على الخصوبة ونسبة الفقس (Hatchability) وجودة الكتاكيت الناتجة.
تُعد الأمراض الفطرية (Mycosis) مرضا مُعدياً ينشأ في الدواجن نتيجة لاختراق وتكاثر الفطريات الحية داخل أنسجة الطيور، خاصةً عندما تكون آليات الدفاع المناعية للدواجن ضعيفة او مُعطلة. تتفاقم هذه العدوى، أبرزها داء (Aspergillosis)، بسبب عوامل متضافرة يمكن تصنيفها كالتالي:
عوامل العائل (الطيور):
يمثل التثبيط المناعي (Immunosuppression) السبب الأساسي للعدوى الفطرية. سواء كان هذا التثبيط ناتجاً عن إجهاد مزمن، نقص غذائي حاد (كفيتامين A)، أو التعرض لمرض مثبِّط للمناعة (مثل مرض جمبورو)، فإنه يعطّل وظيفة الخلايا المناعية والخلايا اللمفاوية (Lymphocytes)، مما يسمح للفطريات الانتهازية بالاستعمار.
العوامل البيئية وظروف المزرعة:
التعرض الكثيف للأبواغ Spores ينشأ هذا التلوث من الفرشة الرطبة والمتعفنة أو من مواد العلف المخزنة بشكل غير صحيح (ارتفاع الرطوبة)، حيث تنتج هذه البيئات كميات هائلة من أبواغ الفطر Spores (Aspergillus، Penicillium).
سوء التهوية:
يؤدي الفشل في توفير تهوية مناسبة إلى زيادة تركيز الأبواغ الفطرية Spores المحمولة جواً داخل اماكن التربية، مما يضاعف الجرعة المُستنشقة ويسمح للأبواغ Spores بالوصول إلى الحويصلات الهوائية والرئتين.
التلوث الفطري في المفرخات
تعتبر المفرخات نقطة صفرية للعدوى الفطرية، خاصة وأن الكتاكيت الفاقسة تتمتع بنظام مناعي غير مكتمل
انتقال العدوى عبر البيضة:
يحدث التلوث عندما تحمل قشرة البيض أبواغ الفطر Spores، نتيجة لبيئة التربية الغير صحية أو عدم كفاءه التطهير قبل التفريخ.
يمكن للفطر أن يخترق مسام القشرة ليصيب كيس المُحّ أو الجنين مباشرة.
تلوث الآلات والمعدات:
تتحول حجرات وآلات الفقس، بما في ذلك فلاتر الهواء وأحواض الترطيب، إلى خزانات (Reservoirs) لنمو الفطريات إذا لم تخضع لبرامج تطهير وتبخير بين دفعات الفقس، حيث تنتشر الأبواغ Spores بكثافة خلال عملية تطاير الزغب (Fluff).
المواد الملوثة:
استخدام نشارة خشب أو صناديق نقل متعفنة أو ذات محتوى رطوبي عالٍ يوفر مصدر تلوث مباشر للكتاكيت، مما يؤدي إلى إصابات جهازية (Systemic Infections) في الأيام الأولى، تتميز بارتفاع النفوق وظهور عُقد فطرية (Fungal Granulomas) في الرئتين.
على الرغم من أن كلاً من العدوى بالفطر (Mycosis) والتسمم بالسموم الفطرية (Mycotoxicosis) يمثل تهديداً خطيراً، فإن التسمم بالسموم الفطرية يُصنَّف كـ العدو الأشد فتكاً على مستوى استدامة القطيع وسلامة الغذاء لثلاثة أسباب رئيسية:
تتجاوز خطورة السموم الفطرية مجرد الإصابة الموضعية؛ فهي مواد كيميائية ذات وزن جزيئي منخفض، يتم امتصاصها في الدم وتستهدف أعضاء محددة بدقة. الأفلاتوكسينات، على سبيل المثال، هي سموم كبدية (Hepatotoxins) قوية تسبب فشلاً كبدياً حاداً ومزمناً، بينما تستهدف الأوكراتوكسينات الكلى (Nephrotoxins)، مما يؤدي إلى الفشل الكلوي.
هذا الضرر العضوي الجهازي غالباً ما يكون غير قابل للعلاج الفعال بعكس بعض العدوى الفطرية التي قد تستجيب للمضادات الفطرية.
يمثل هذا التأثير العرض الأكثر تدميراً اقتصادياً. فبدلاً من أن تهاجم السموم الطائر مباشرةً بتركيزات عالية، تقوم بتركيزات منخفضة جداً (Subclinical Doses) بـ «ضمور الأعضاء اللمفاوية» كضمور جراب فابريشيوس والغدة الزعترية (Thymus)، وهما المسؤولان عن إنتاج الخلايا المناعية.
فشل التحصينات:
تعيق الاستجابة المناعية للقاحات، مما يجعل الطائر غير محمي ضد الأمراض الفيروسية والبكتيرية التقليدية، ويؤدي إلى خسائر فادحة غير مباشرة. بذلك، يصبح التسمم الفطري هو “البوابة” التي تسمح بانتشار أي مرض آخر في المزرعة.
العدوى بالفطر نادراً ما تشكل تهديداً مباشراً للمستهلكين، بينما تُعد السموم الفطرية خطراً حقيقياً على الصحة العامة. بعض هذه السموم، وعلى رأسها الأفلاتوكسين، مصنفة كمواد مسرطنة للإنسان. تنتقل هذه السموم أو مستقلباتها (مثل الأفلاتوكسين) إلى اللحوم والبيض، مما يهدد سلامة السلسلة الغذائية ويتطلب إجراءات رقابية مشددة لتأمين المنتجات النهائية.
Comments are closed.