باحث الكيمياء والسموم والنقص الغذائي- معهد بحوث صحه الحيوان -معمل فرعى الزقازيق
شهد قطاع الإستزراع السمكي تطورًا كبيرًا خلال العقود الأخيرة، وأصبح يمثل أحد الأعمدة الرئيسية في تحقيق الأمن الغذائي وإنتاج البروتين الحيواني على مستوى العالم.
ومع تزايد النمو السكاني واتساع الفجوة الغذائية، أصبح من الضروري تطوير ممارسات تربية الأسماك لتكون أكثر استدامة واعتمادًا على التكنولوجيا الحديثة.
ومن بين أهم هذه التقنيات الناشئة تأتي تقنية النانو تكنولوجي، التي تعتمد على تصنيع وتوظيف مواد في حجم متناهي الصغر تتراوح أقطارها بين 1 و100 نانومتر، مما يمنحها خصائص فيزيائية وكيميائية وبيولوجية جديدة تختلف عن المواد التقليدية.
ويسمح صغر حجم الجسيمات النانونية بزيادة مساحة سطحها النشطة وقدرتها العالية على التفاعل، مما يجعلها مناسبة لعدد كبير من التطبيقات في الاستزراع السمكي، بما في ذلك مكافحة الأمراض، تحسين جودة المياه، رفع كفاءة التغذية، تطوير اللقاحات، وحفظ المنتجات السمكية بعد الحصاد.
ومع توسع البحث العلمي في هذا المجال، أصبح من الواضح أن النانو تكنولوجي ليس مجرد تقنية مساعدة بل أداة مستقبلية ستغير شكل صناعة الأسماك عالميًا. وفي هذا المقال سيتم استعراض أهم تطبيقات النانو، وكيف أثبتت قدرتها على تعزيز الإنتاج
تعزيز صحة الأسماك ومقاومة الأمراض باستخدام النانو
تعد الأمراض الميكروبية من أكبر التحديات التي تواجه المزارع السمكية، نظرًا لطبيعة البيئة المائية التي تسهل انتقال العدوى بسرعة.
وقد أدت التطورات في تكنولوجيا النانو إلى تقديم حلول فعالة تسهم في الحد من هذه المشكلات. فالجسيمات النانونية المضادة للميكروبات مثل الفضة النانونية وأكسيد الزنك وثاني أكسيد التيتانيوم أظهرت فعالية كبيرة ضد العديد من البكتيريا الممرضة الشائعة في المزارع السمكية، مثل Aeromonas hydrophila وPseudomonas وVibrio.
وتقوم هذه الجسيمات النانونية بإحداث تأثيرات مباشرة على الخلايا البكتيرية، تشمل اختراق الجدار الخلوي، تعطيل البروتينات الحيوية، وتدمير الحمض النووي مما يمنع البكتيريا من التكاثر.
وتزيد مساحة السطح العالية للجسيمات من قدرتها على التصاق الأسطح الميكروبية، مما يجعلها أكثر فاعلية من المواد التقليدية في القضاء على مسببات الأمراض.
كما ساعدت تقنية النانو في تحسين التحصينات السمكية من خلال ابتكار لقاحات نانونية تمتاز بقدرتها على حماية المستضدات من التحلل والضياع داخل الجهاز الهضمي أو الدموي.
وتتميز هذه اللقاحات بأنها تحفز استجابة مناعية أقوى وأكثر استدامة، مما يقلل الحاجة إلى التكرار المتكرر للجرعات.
ومن التطبيقات المهمة أيضًا استخدام النانو في تحسين جهاز المناعة غير النوعي للأسماك عن طريق تحفيز الخلايا البلعمية وزيادة إنتاج الإنزيمات المضادة للأكسدة مثل الكاتالاز والسوبر أكسيد ديسميوتاز، وهو ما يرفع مقاومة الأسماك الطبيعية ضد مختلف مسببات الأمراض.
وتساهم هذه التحسينات في تقليل نسبة النفوق وزيادة معدلات البقاء، وبالتالي تحسين الإنتاج النهائي للمزرعة.
تحسين جودة الأعلاف وزيادة كفاءة النمو باستخدام تكنولوجيا النانو
تعد التغذية من أهم عناصر نجاح الاستزراع السمكي، حيث تمثل أكثر من 60% من التكلفة التشغيلية. ولذلك أصبح تحسين كفاءة استخدام الأعلاف أمرًا ضروريًا لرفع معدل النمو وتقليل التكاليف.
وهنا ظهرت تطبيقات النانو في تغليف المغذيات الدقيقة، مما يسمح بتوصيلها إلى الأجزاء المستهدفة من الجسم دون أن تفقد قيمتها أثناء عملية الهضم.
ويساعد تغليف الفيتامينات والمعادن في صورة نانونية على حمايتها من التحلل بالأكسدة أو الحرارة أثناء التصنيع، كما يزيد من معدل امتصاصها داخل الأمعاء بسبب صغر حجمها وقدرتها الفائقة على اختراق الأغشية الحيوية.
وقد أثبتت الأبحاث أن المعادن في صورتها النانونية مثل الزنك، السيلينيوم، النحاس والحديد تساعد في تحفيز الإنزيمات الهاضمة وتحسين التوازن المناعي وزيادة معدل النمو في الأنواع المختلفة من الأسماك مثل البلطي والباسا والتروت.
كما أن استخدام البروتينات والدهون النانونية يسهم في رفع كفاءة التحويل الغذائي وتقليل الهدر الذي يحدث عند تقديم الأعلاف التقليدية.
وفي بعض الدراسات ساهمت الجسيمات النانونية في تحسين ميكروبيوم الأمعاء من خلال زيادة نمو البكتيريا النافعة، مما أدى إلى تعزيز صحة الجهاز الهضمي وتحسين قدرة الأسماك على امتصاص المغذيات.
توظيف النانو في إدارة جودة المياه داخل المزارع السمكية
تعتمد صحة الأسماك بشكل أساسي على جودة المياه، التي يمكن أن تتدهور نتيجة ارتفاع الأمونيا والنيتريت والمواد العضوية والمعادن الثقيلة.
وقد قدمت تقنية النانو حلولًا مبتكرة لإدارة المياه بصورة فعالة. وتعد أنابيب الكربون النانونية والجسيمات النانونية من أكسيد الحديد من أكثر المواد استخدامًا في إزالة الملوثات، نظرًا لقدرتها الممتازة على امتصاص العناصر السامة والمواد العضوية. وتساهم هذه المواد في تنقية المياه بسرعة كبيرة مما يمنح الأسماك بيئة آمنة للنمو.
كما يعد التحفيز الضوئي باستخدام جسيمات ثاني أكسيد التيتانيوم من التقنيات الرائدة في القضاء على الملوثات العضوية وقتل البكتيريا دون الحاجة إلى مواد كيميائية.
ويتميز هذا الأسلوب بأنه آمن وغير مكلف على المدى الطويل ولا يترك بقايا ضارة في المياه. وتساعد المواد النانونية كذلك في السيطرة على الروائح وتحسين الأكسجين الذائب داخل الأحواض، وهو ما يحسن الحالة الفسيولوجية للأسماك ويرفع كفاءتها الحيوية. وتتيح هذه التطبيقات تقليل معدل تغيير المياه بشكل دوري، مما يقلل من التكلفة التشغيلية للمزارع ويحسن الاستدامة البيئية.
تقنية النانو بعد الحصاد وتحسين جودة المنتج السمكي
يمتد تأثير تقنية النانو ليشمل مرحلة ما بعد الحصاد والتي تعد من أهم المراحل المؤثرة في القيمة التسويقية للمنتج.
فقد ساعدت الأغشية النانونية المستخدمة في التعبئة والتغليف في إطالة فترة صلاحية الأسماك عن طريق الحد من الأكسدة ومنع نمو الميكروبات.
وتستخدم بعض المواد النانونية مثل الفضة وأكسيد الزنك كمضادات ميكروبية داخل مواد التغليف، مما يحافظ على جودة اللحم ويمنع ظهور الروائح غير المرغوبة.
كما تعمل المواد النانونية على امتصاص الرطوبة الزائدة وتقليل التلف الناتج عن التخزين، مما يسمح بنقل المنتجات لمسافات أطول دون فقد جودتها. ويساهم ذلك في دعم سلسلة الإمداد الغذائي وتحسين القدرة التنافسية للمنتجات السمكية في الأسواق.
التحديات والمخاطر المرتبطة باستخدام النانو في الاستزراع السمكي
رغم الفوائد الكبيرة التي تقدمها تقنية النانو، إلا أن استخدامها يتطلب دراسة دقيقة لضمان سلامتها. فبعض الجسيمات النانونية قد تتراكم داخل أنسجة الأسماك، مما يسبب تأثيرات سلبية على الجهاز المناعي والجهاز التناسلي وقد يؤدي إلى تغيرات في العمليات الحيوية.
وقد أوضحت بعض الدراسات أن التعرض المزمن للتركيزات العالية من الجسيمات النانونية قد يؤدي إلى الإجهاد التأكسدي وتلف الأعضاء.
كما أن وجود هذه الجسيمات في البيئة المائية قد يؤثر على الكائنات الحية الدقيقة ويغير من التوازن البيئي. وتظل القوانين المنظمة لاستخدام النانو في قطاع الغذاء محدودة في العديد من الدول، مما يجعل من الصعب تحديد المعايير الآمنة.
إضافةً إلى ذلك، تشكل التكلفة الاقتصادية العالية لبعض الجسيمات النانونية عقبة أمام استخدامها على نطاق واسع، خاصة لدى صغار المزارعين. لذلك هناك ضرورة لإجراء المزيد من الأبحاث لتحديد الجرعات المناسبة ووضع سياسات واضحة لضمان الاستخدام الآمن للنانو.
الخلاصة
من الواضح أن تقنية النانو تكنولوجي تمثل ثورة جديدة في مجال الاستزراع السمكي، حيث تمتلك القدرة على رفع كفاءة الإنتاج وتدعيم صحة الأسماك وتحسين جودة المياه والأعلاف والمنتجات النهائية.
ومع تطور الأبحاث العلمية، يبدو أن استخدام النانو سيتوسع بشكل كبير خلال السنوات القادمة ليصبح جزءًا أساسيًا من الاستراتيجيات الحديثة لتطوير الإنتاج السمكي.
ورغم التحديات المتعلقة بالسلامة واللوائح التنظيمية، فإن النتائج الإيجابية التي حققتها التطبيقات النانونية تشير إلى مستقبل واعد لصناعة الأسماك، خاصة في ظل الحاجة العالمية لإنتاج غذاء آمن ومستدام وعالي القيمة الغذائية. ويظل الاستخدام الرشيد والمدروس للنانو شرطًا أساسيًا للاستفادة من مزاياه مع ضمان حماية البيئة وصحة المستهلك.
المراجع
- Ali, A. et al. (2021). Applications of Nanotechnology in Aquaculture and Fisheries. Aquaculture Reports.
- El-Beltagi, H. S. et al. (2022). Nanoparticles in Fish Nutrition and Health. Fish & Shellfish Immunology.
- Mahmoud, A. M. et al. (2023). Silver Nanoparticles and Immunity of Nile Tilapia. Aquaculture International.
- Khalil, R. H. & Awad, S. M. (2020). Nanovaccines in Aquaculture. Fish Immunology Review.
- Nikolelis, D. P. et al. (2020). Nanotechnology in Aquaculture. Springer
- Klaper, R. & Arndt, D. (2021). Ecotoxicology of Nanomaterials. Environmental Science & Technology.
- Abd El-Hack, M. E. et al. (2019). Nano Minerals in Aquafeeds. Aquaculture.


Comments are closed.