ift

د منتصر الحسناوي يكتب: همسٌ في أذن النحل

 خبير عربي ودولي في تربية النحل وإنتاج العسل

‏في بعض القرى القديمة، كان الناس إذا مات أحدهم، مضوا إلى خلايا النحل، طرقوا برفق على جدرانها، وهمسوا بالخبر: “لقد رحل فلان”.

وإن تزوّج أحد، أو وُلد طفل، بُشّر النحل كما يُبشَّر القريب. ‏وكانت الخلايا تُغطى بالسواد عند الحداد، وتُقدَّم لها فتاتُ الكعك في الأعراس.

‏لأنهم كانوا يؤمنون أن للنحل روحاً، وأن تجاهله قد يصيبه بالحزن، وربما تفرد جناحيه ويموت. ‏

انه طقسٌ صغير من طقوس الاحترام العميق، يوم كان الإنسان يرى في الكائنات من حوله شركاء في الحياة، لا أدوات للاستعمال.

‏النحل، في تلك العوالم المنسية، كائنًا ذا شأن، حارسًا للسرّ، وناقلاً للرسائل بين هذا العالم وذاك.

‏في زمنٍ كانت الأرواح تُصغي فيه للطبيعة، كان الحديث مع النحل اعترافًا بعلاقة خفية تربطنا بما نظنه صامتاً. ‏

فالنحل كان يُرى كجُزءٍ من العائلة، لا يُؤخذ عسله قبل أن يُؤخذ رضاه، ولا يُهمل في الفرح أو في الفقد.

‏واليوم، في عالمٍ صاخبٍ مزدحمٍ بالضجيج، ننسى أن النحل ما زال هنا. نطلب عسله، لكن لا نُكلّف أنفسنا عناء السلام. نغزو حقوله، نسمّمه لنُكثِر من محاصيلنا، ثم نتساءل: لِمَ انقرض؟ ‏كيف فقدنا دفءَ العلاقة التي كانت تربطنا به؟ ‏كيف تحوّلت النحلة من رمزٍ للبركة إلى ضحية؟

‏النحل لا يطلب شيئاً. لكنه يُقدّر من يحدّثه، ومن يعرف كيف يُنصت، قد يسمع في أزيز الأجنحة لغة لا يعرفها إلا القلب. ‏

#اليوم_العالمي_للنحل

Comments are closed.