ift

المواد النانوية وتقنيات النانو بين الطموحات والمخاطر

د مها صبرى باحث أول فارماكولوجى – د  ولاء عبدالله محمد السيد – باحث فارماكولوجى معهد بحوث الصحة الحيوانية – مركز البحوث الزراعية- مصر

إن أصل كلمة نانو منبثق من الكلمة الإغريقية نانوس  (Nanos) والتى تعنى القزم ،  ويقدر قياس النانو بجزء من المليار من المتر. والجسيمات النانوية هي جسيمات يتراوح قطرها من 1 إلى 100 نانومتر.

كما تعد الحضارة الأغريقية من أولى الحضارات التى عرفت بتطبيقات تقنية النانو دون ادراك للمصطلح، حيث اشتهر كأس الملكLycurgus  والذى يعود الى القرن الرابع قبل الميلاد بتغير لونه من الأخضر الى الأحمر عند تعرضه للضوء ، والذى تبين فيما بعد أن جزيئات الذهب والفضة النانوية من أهم المواد الداخلة فى تصنيع الكأس. فضلا عن استخدام الأغريقيون أكسيد الرصاص النانوية فى تصنيع صبغة الشعر الأسود والذى يظل لمدة طويلة.

الجزيئات النانوية يمكن تصنيفها إلى فئات مختلفة بناءً على خصائصها أو أشكالها أو أحجامها. تشمل المجموعات المختلفة الفوليرينات وأنابيب الكربون النانوية ، وNPs المعدنية، وNPs السيراميكية، وNPs البوليمرية. تمتلك جزيئات NPs خصائص فيزيائية وكيميائية فريدة من نوعها بسبب مساحتها السطحية الكبيرة وحجمها النانوي تجعلها أكثر فاعلية عن نظيرتها ذات الحجم الكبير.

تاريخ تقنيات النانو

تعد تقنية النانو مجالًا بحثيًا معروفًا منذ القرن الماضي. منذ تم تقديم “تقنية النانو” من قبل الحائز على جائزة نوبل ريتشارد بي. فاينمان خلال محاضرته الشهيرة التي ألقاها عام 1959 بعنوان “هناك متسع كبير في القاع” عندما أثار التساؤلات حول ترتيب الذرات بجوار بعضها البعض بالشكل الذي نريده .

وقد أظهرت تطبيقات تقنيات النانو في الآونة الأخيرة تقدما هائلا فى المجالات الحياتية المختلفة مثل المجالات الطبية، الصناعية ، والزراعية ، والاقتصادية، والبيئية، والمعلوماتية، والإلكترونية، والحاسوبية، والبتروكيميائية، والحيوية، والعسكرية بالأضافة الى التطبيقات فى تنقية الهواء، وفى معالجة المياه ، وفى مجال الطاقة والفضاء وغيرها من المجالات. يعتبر طب النانو أحد أهم المجالات التطبيقية لتقنية النانو بل وأعظمها على الاطلاق وذلك لارتباطها المباشر بحياة وصحة كلا من الانسان والحيوان.

تقنيات النانو وتشخيص الأمراض

ساهمت تطور تقنية النانو على تغيير القواعد الطبية المتبعة في تشخيص الأمراض و منعها وعلاجها وأصبحنا نعيش عصر التقنية الطبية النانوية, حيث اجتذبت NPs اهتمامًا متزايدًا فى كل فرع من فروع الطب حيث تقدم تقنية النانو طرقاً جديدة لحاملات الدواء داخل الجسم تكون قادرة على استهداف خلايا مختلفة في الجسم.

يعتبر توصيل الدواء إلى الأنسجة أحد أولويات البحث في مجال طب النانو ويعني ذلك تواجد جزيئات الدواء في المكان المستهدف من الجسم، مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة العلاجية من الأدوية، وبالتالي ينخفض معدل استهلاك الدواء، والتقليل من أعراضه الجانبية، وكذلك التكلفة الإجمالية للعلاج.

وقد أظهرت الأبحاث المنشورة حديثاً إمكانية حمل وتوجيه العلاج إلى مناطق محددة من الجسم وتحديدا المناطق المصابة دون التأثير على الأنسجة السليمة ، والتحكم في جرعات العلاج على فترات زمنية مختلفة، والقدرة على تتبع استجابة العضو أو النسيج المصاب للعلاج أثناء فترة العلاج بمضاعفات جانبية أقل، مما يشكل فرصة كبيرة لتحسين طرق إيصال العلاج باستخدام تقنية النانو.

كما أنه يمكن لأجهزة التشخيص أن تستفيد من التقدم في تطبيقات النانو، مما يساهم في سرعة أدائها ودقة تشخيصها، واكتشافها للمرض بصورة مبكرة. حيث أن الأسلاك النانوية تستخدم كمجسات حيويه نانويه وذلك لحساسيتها, حيث يتم طلاء هذه الأسلاك بأجسام مضادة مصنعة بحيث أنها تلتصق فقط بالجسيمات الحيوية DNA أو البروتينات, أو الجسيمات البيولوجية الأخرى في الجسم, ولا تلتصق بغيرها من الجزيئات.

وعندما ترتبط هذه البروتينات أو غيرها بالأسلاك النانوية المطلية فسوف تتغير توصيليتها, وبذلك يمكن استخدام هذا المجس الحيوي النانوي في اكتشاف عدد كبير من الأمراض في مراحلها الأولية، وذلك بإدخال أعداد كبيرة من الأسلاك المختلفة النانوية داخل الجسم يتم طلائها بأجسام مضادة مختلفة، تمثل مجسات مختلفة.

تقنيات النانو والمضادات الحيوية

تساهم تقنية النانو في اكتشاف العقاقير المختلفة، خاصة في مجال المضادات الحيوية ومضادات السرطان وغيرها. يعتبر النانوبيوتك Nanobiotic) (البديل الجديد للمضادات الحيوية)  Antibiotics) حيث ستقضي هذه التقنية على البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

ومن المتوقع أن يحدث النانوبيوتك ثورة غير مسبوقة في التصدي للكائنات الدقيقة. حيث استطاع بعض الباحثين إدخال نانو الفضة إلى المضادات الحيوية، والتى من المعروف خصائصها المضادة للبكتريا حيث أن الفضة قادرة على قتل 650 جرثومة ميكروبيه ولكن لا تكون الفضة تأثيرات سامة.

تقنيات النانو وإضافات الأعلاف

ولكن من خلال تطبيقات تقنية النانو يمكن استخدام جزيئات عنصر الفضة متناهية الصغر (nanobiotic-Ag) فى انتاج اضافات دوائية تضاف لاعلاف الدواجن تكون لها القدرة على الحد من النشاط الضار للميكروبات دون قيام هذه الميكروبات بتكوين مناعة مضادة لاثر هذا المركب وبالتالى يمكن التقليل أو التخلص من سمية الفضة.

وباحثون اخرون تمكنوا من إنتاج أنابيب متناهية في الصغر مصنوعة من الكربون (نانوبيوتك) من الممكن أن يكون لها الأثر التدميري على أي بكتيريا. حيث يقوم النانوبيوتك بثقب الجدار الخلوي للبكتيريا وعند دخول الملايين منها داخل الغشاء الهلامي للبكتيريا فإنها تنجذب كيميائياً إلى بعضها البعض وتجمع بعضها على شكل أنابيب طويلة تقوم بثقب الغشاء الخلوي وتعمل المجموعات الأخرى على توسيع الثقب في جدار الخلية البكتيرية ليتم تدميرها خلال دقائق.

ولا يمكن تجاهل الدور الهام لتقنية النانو فى تشخيص وعلاج السرطان حيث أنه باستخدام تقنية النانو أصبح بالإمكان تصوير خلايا الجسم بسهولة كما لو أننا نأخذ لها صورعادية, كذلك يمكن التحكم بتلك الخلايا وتشكيلها بأشكال مختلفة، وأحجام هذه الصور تساعد الأطباء والباحثين في الحصول على معلومات دقيقة حول هذه الأورام، حيث أظهرت آخر البحوث  أن العلماء قد توصلوا إلى طريقة نانوية جديدة يمكن بواسطتها تصوير الأورام السرطانية داخل الجسم، وتحديدها بدقة، ومن ثم القيام بالعلاج بشكل مباشر للتخلص من هذه الأورام السرطانية.

تقنيات النانو وعقارات مضادة للسرطان

إضافة إلى استخدام الليبوزوم النانوية المصنعة كأنظمة توصيل للعقارات المضادة للسرطان واللقاحات, كما تستخدم الأغلفة النانوية المطلية بالذهب لتدمير الخلايا السرطانية, ويبلغ طول هذه الأغلفة النانوية حوالي 120 نانومتر وهي أصغر من حجم خلية السرطان حوالي 170 مرة, وعندما تحقن هذه الأغلفة النانوية داخل الجسم فإنها تلتصق تلقائياً بالخلايا السرطانية, ومن ثم يتم تعريض تلك الخلايا لأشعة ليزر تحت الحمراء فتعمل بدورها على تسخين الذهب ورفع درجة حرارته مما يؤدي إلى احتراق تلك الخلايا وموتها.

ومن المجالات التي يحتمل أن تستفيد من دراسات تقنيات النانو هي إنتاج اللقاحات، فالاستجابة المناعية الفضلى يتم الحصول عليها باستعمال الكرات النانوية القابلة للتحلل الحيوي أكثر من اللقاحات المصنعة بالطرق التقليدية .

في مجال العمليات الجراحية: قامت شركة (كورفس) بصناعة روبوت صغير بحجم النانومتر يستخدم كمساعد للأطباء في العمليات الجراحية الحرجة والخطرة. أما أجهزة الإستشعار النانوية فباستطاعها أن تزرع في الدماغ لتمكن المصاب بالشلل الرباعي من الحركة والسير.

التعقيم والتطهير الطبي للمستشفيات نجحت شركة ” ” MAEDA KOUGYOUاليابانية باستخدام تقنية النانو ومادة التيتانيوم في إنتاج سائل شفاف عديم اللون والرائحة من أكسيد التيتانيوم) MVX ( له مواصفات خاصة أمكن استخدامها في أعمال التعقيم، والقضاء على البكتريا. ومنه ماتم تطبيقه في مزارع الدواجن للتركيز على تحسين مستوى النظافة باختبار وسائل التعقيم الممكنه واختيار الاسطح المغطاه بالنانو.

تقنيات النانو وصناعة الدواجن

ومن المتوقع حديثا استخدام تقنية النانو كمشروع هام في مجال انتاج الدواجن ويجرى حالياً في الدنمارك تنفيذ عدد من المشاريع التي ستسهم في تحسين انتاج الدواجن من الناحية الصحية والاقتصادية منه كبح سبل انتقال الأمراض البكتيرية والحد من العدوى البكتيريه واستخدام التقنية فى اعلاف الطيور لزيادة النشاط البنائى الذى يترتب عليه تحسن فى النمو وزيادة فى الوزن

على الرغم من التطبيقات الواسعة  والهائلة لتقنية النانو في الوقت الحاضر والتي تشمل جميع نواحي الحياة، إلا أن هناك الآن اهتماما كبيراً في البحث عن إمكانية حدوث آثار جانبية لاستخدام هذه التقنية في حياة الإنسان والوسط المحيط به.

إن الجسيمات النانوية نتيجة لصغرها الشديد فهي بالتالي يمكن أن تنفذ بسهولة شديدة من خلال الجلد والرئتين والأجهزة المعوية للإنسان بدون معرفة تأثيرها على الصحة البشرية.

الآثار السلبية لتقنيات النانو

ومن ناحية أخرى يمكن الاعتقاد بأن استنشاق المواد النانوية (مثل الجسيمات النانوية، الكرات النانوية، أنابيب الكربون النانوية،….) سوف يؤدي إلى سريان هذه المواد داخل الجسم ومن ثم وصولها إلى المخ.

ولابد من الإشارة هنا إلى أنه لا يوجد قوانين محددة وواضحة تحدد الأضرار والأخطار الناتجة عن استخدام المواد النانوية وذلك بسبب اختلاف خصائص وأحجام تلك المواد النانوية وأيضا اختلاف درجة  سُميّة تلك المواد.

يبدو أن التعرض للاستنشاق هو أكثر ما يثير القلق، إذ تظهر الدراسات على الحيوانات آثارًا رئوية لبعض المواد النانوية مثل الالتهاب والتليف الرئوى والأورام الحبيبية ، حيث أن الجسيمات النانوية عند استنشاقها يمكن أن تُحدِث التهابا في الرئتين أكثر مما تُحدِثه الجسيمات ذات الحجم الكبير من نفس النوع.

وعلى الرغم من أن بعض المواد تكون خاملة مثل الذهب، فإنها تصبح نشطة للغاية في الأبعاد النانومترية. تمتلك بعض الجسيمات النانوية تأثيراً محفزاً يمكنه أن يولد جذوراً حرة  (free radicals)، وهذه الجذور الحرة عادة ماتكون سببا فى حدوث الأورام السرطانية.

تقنيات النانو وإنتشار الأمراض 

كما اشارت دراسة أخرى إلى أن الجسيمات النانوية قد تسببت في موت بعض القوارض وحدوث تلف للمخ في السمك، حيث وجد أن هذه الجسيمات وعند دخولها الجسم تتجمع في الدماغ وخلايا الدم والأعصاب وتشير دراسات أخرى على تلوث الهواء إلى أن زيادة تركيز الجسيمات النانوية في الهواء سوف يؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض والوفاة.

تشير بعض الدراسات إلى أن المواد النانوية يمكن أن تدخل الجسم من خلال الجلد السليم وأن الجسيمات النانوية ذات الخصائص الفيزيائية الكيميائية المختلفة كانت قادرة على اختراق الجلد السليم للخنازير. قد ثبتفى بغض التجارب أنها تسبب تهيجًا جلديًا .

وعلى العموم فلا بد للعاملين في تقنية النانو أن يتخذوا كافة أنواع درجات الحذر والاحتياطات اللازمة لتفادي استنشاق المواد النانوية على جميع أنواعها أو ملامستها لجلد الإنسان.

Comments are closed.